الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* الشرح: قوله (باب من أمر غير الإمام بإقامة الحد غائبا عنه) قال الكرماني: في هذا التركيب قلق، وكان الأولى أن يبدل لفظ " غير " بالضمير فيقول من أمره الإمام إلخ. وقال ابن بطال: قد ترجم بعد، يعني في آخر أبواب الحدود " هل يأمر الإمام رجلا فيضرب الحد غائبا عنه " ومعنى الترجمتين واحد، كذا قال، ويظهر لي أن بينهما تغايرا من جهة أن قوله في الأول غائبا عنه حال من المأمور وهو الذي يقيم الحد، وفي الآخر حال من الذي يقام عليه الحد. الحديث: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَعْرَابِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ بِكِتَابِ اللَّهِ فَقَامَ خَصْمُهُ فَقَالَ صَدَقَ اقْضِ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِكِتَابِ اللَّهِ إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ فَافْتَدَيْتُ بِمِائَةٍ مِنْ الْغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ ثُمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَزَعَمُوا أَنَّ مَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ فَقَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ أَمَّا الْغَنَمُ وَالْوَلِيدَةُ فَرَدٌّ عَلَيْكَ وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَأَمَّا أَنْتَ يَا أُنَيْسُ فَاغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَارْجُمْهَا فَغَدَا أُنَيْسٌ فَرَجَمَهَا الشرح: ذكر حديث أبي هريرة وزيد بن خالد في قصة العسيف، وقد مضى شرحه مستوفى قريبا. وقوله في هذه الرواية " فقام خصمه فقال: صدق، اقض له يا رسول الله بكتاب الله، إن ابني " قال الكرماني: القائل هو الأعرابي لا خصمه، لأنه وقع في كتاب الصلح " جاء أعرابي فقال يا رسول الله. اقض بيننا بكتاب الله فقام خصمه وقال: صدق اقض بيننا بكتاب الله، فقال الأعرابي: إن ابني كان عسيفا". قلت: بل الذي قال اقض بيننا هو والد العسيف، ففي الرواية الماضية قريبا في باب الاعتراف بالزنا " فقام خصمه وكان أفقه منه فقال: اقض بيننا بكتاب الله وأذن لي إلخ " هذه رواية سفيان بن عيينة ووافقه الجمهور، فتقدمت رواية مالك في الأيمان والنذور ورواية الليث في الشروط وتأتي رواية صالح بن كيسان وشعيب بن أبي حمزة في خبر الواحد وكذا أخرجه مسلم من رواية الليث وصالح بن كيسان ومعمر وساقه على لفظ الليث، ومع ذلك فالاختلاف في هذا على ابن أبي ذئب، فإنه رواه عن الزهري هنا وفي الصلح، فالراوي له في الصلح عن ابن أبي ذئب آدم بن أبي إياس وهنا عاصم بن علي، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق يزيد ابن هارون عن ابن أبي ذئب فوافق عاصم بن علي وهذا هو المعتمد، وإن قوله في رواية آدم " فقال الأعرابي " زيادة إلا إن كان كل من الخصمين متصفا بهذا الوصف، وليس ذلك ببعيد، والله أعلم. *3* وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ زَوَانِي وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ أَخِلَّاءَ الشرح: قوله (باب قول الله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولا أن نكح المحصنات المؤمنات الآية) كذا لأبي ذر وساق في رواية كريمة إلى قوله (والله غفور رحيم، قال الواحدي قرئ (المحصنات) في القرآن بكسر الصاد وفتحها إلا في قوله تعالى وقال غيره: اختلف في إحصان الأمة، فقال الأكثر إحصانها التزويج، وقيل العتق، وعن ابن عباس وطائفة إحصانها التزويج، ونصره أبو عبيد وإسماعيل القاض واحتج له بأنه تقدم في الآية قوله تعالى وقال غيره التقييد بالإحصان يفيد أن الحكم في حقها الجلد لا الرجم، فأخذ حكم زناها بعد الإحصان من الكتاب وحكم زناها قبل الإحصان من السنة، والحكمة فيه أن الرجم لا ينتصف فاستمر حكم الجلد في حقها. قال البيهقي: ويحتمل أن يكون نص على الجلد في أكمل حاليها ليستدل به على سقوط الرجم عنها لا على إرادة إسقاط الجلد عنها إذا لم تتزوج، وقد بينت السنة أن عليها الجلد وإن لم تحصن. قوله (غير مسافحات زواني، ولا متخذات أخدان أخلاء) بفتح الهمزة وكسر المعجمة والتشديد جمع خليل، وهذا التفسير ثبت في رواية المستملي وحده، وقد أخرجه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مثله، والمسافحات جمع مسافحة مأخوذ من السفاح وهو من أسماء الزنا، والأخدان جمع خدن بكسر أوله وسكون ثانيه وهو الخدين والمراد به الصاحب، قال الراغب: وأكثر ما يستعمل فيمن يصاحب غيره بشهوة، وأما قول الشاعر في المدح " خدين المعالي " فهو استعارة. قلت: والنكتة فيه أنه جعله يشتهي معالي الأمور كما يشتهي غيره الصورة الجميلة فجعله خدينا لها. وقال غيره: الخدين الخليل في السر. الشرح: قوله (باب إذا زنت الأمة) أي ما يكون حكمها؟ وسقطت هذه الترجمة للأصيلي، وجرى على ذلك ابن بطال وصار الحديث المذكور فيها حديث الباب المذكور قبلها، ولكن صرح الإسماعيلي بأن الباب الذي قبلها لا حديث فيه، وقد تقدم الجواب عن نظيره وأنه إما أن يكون أخلى بياضا في المسودة فسده النساخ بعده، وإما أن يكون اكتفى بالآية وتأويلها في الحدث المرفوع، وهذا هو الأقرب لكثرة وجود مثله في الكتاب. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَنْ قَالَ إِذَا زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ لَا أَدْرِي بَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ الشرح: قوله (عن أبي هريرة وزيد بن خالد) سبق التنبيه في شرح قصة العسيف على أن الزبيدي ويونس زادا في روايتهما لهذا الحديث عن الزهري شبل بن خليل أو ابن حامد، وتقدم بيانه مفصلا. قوله (سئل عن الأمة) في رواية حميد بن عبد الرحمن عن أي هريرة " أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن جاريتي زنت فتبين زناها، قال: اجلدها " ولم أقف على اسم هذا الرجل. قوله (إذا زنت ولم تحصن) تقدم القول في المراد بهذا الإحصان، قال ابن بطال: زعم من قال لا جلد عليها قبل التزويج بأنه لم يقل في هذا الحديث " ولم تحصن " غير مالك، وليس كما زعموا فقد رواه يحيى بن سعيد الأنصاري عن ابن شهاب كما قال مالك، وكذا رواه طائفة عن ابن عيينة عنه. قلت: رواية يحيى بن سعيد أخرجها النسائي ورواية ابن عيينة تقدمت في البيوع ليس فيها " ولم تحصن " وزادها النسائي في روايته عن الحارث بن مسكين عن ابن عيينة بلفظ " سئل عن الأمة تزني قبل أن تحصن " وكذا عند ابن ماجة عن أبي بكر ابن أبي شيبة ومحمد بن الصباح كلاهما عن ابن عيينة، وقد رواه عن ابن شهاب أيضا صالح بن كيسان كما قال مالك وتقدمت روايته في كتاب البيوع في " باب بيع المدبر " وكذا أخرجهما مسلم والنسائي، ووقع في رواية سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة هناك بدونها وسيأتي قريبا أيضا، وعلى تقدير أن مالكا تفرد بها فهو من الحفاظ وزيادته مقبولة، وقد سبق الجواب عن مفهومها. قوله (قال إن زنت فاجلدوها) قيل أعاد الزنا في الجواب غير مقيد بالإحصان للتنبيه على أنه لا أثر له وأن موجب الحد في الأمة مطلق الزنا، ومعنى " اجلدوها " الحد اللائق بها المبين في الآية وهو نصف ما على الحرة، وقد وقع في رواية أخرى عن أبي هريرة: فليجلدها الحد والخطاب في اجلدوها لمن يملك الأمة، فاستدل به على أن السيد يقيم الحد على من يملكه من جارية وعبد، أما الجارية فبالنص وأما العبد فبالإلحاق، وقد اختلف السلف فيمن يقيم الحدود على الأرقاء: فقالت طائفة لا يقيمها إلا الإمام أو من يأذن له وهو قول الحنفية، وعن الأوزاعي والثوري لا يقيم السيد إلا حد الزنا، واحتج الطحاوي بما أورده من طريق مسلم ابن يسار قال " كان أبو عبد الله رجل من الصحابة يقول: الزكاة والحدود والفيء والجمعة إلى السلطان " قال الطحاوي لا نعلم له مخالفا من الصحابة، وتعقبه ابن حزم فقال: بل خالفه اثنا عشر نفسا من الصحابة. وقال آخرون يقيمها السيد ولو لم يأذن له الإمام وهو قول الشافعي. وأخرج عبد الرزاق بسند صحيح عن ابن عمر " في الأمة إذا زنت ولا زوج لها يحدها سيدها، فإن كانت ذات زوج فأمرها إلى الإمام " وبه قال مالك إلا إن كان زوجها عبدا لسيدها فأمرها إلى السيد، واستثنى مالك القطع في السرقة، وهو وجه للشافعية وفي آخر يستثنى حد الشرب، واحتج للمالكية بأن في القطع مثلة فلا يؤمن السيد أن يريد أن يمثل بعده فيخشى أن يتصل الأمر بمن يعتقد أنه يعتق بذلك فيدعى عليه السرقة لئلا يعتق فيمنع من مباشرته القطع سدا للذريعة، وأخذ بعض المالكية من هذا التعليل اختصاص ذلك بما إذا كان مستند السرقة علم السيد أو الإقرار، بخلاف ما لو ثبتت بالبينة فإنه يجوز للسيد لفقد العلة المذكورة، وحجة الجمهور حديث على المشار إليه قبل وهو عند مسلم والثلاثة، وعند الشافعية خلاف في اشتراط أهلية السيد لذلك، وتمسك من لم يشترط بأن سبيله سبيل الاستصلاح فلا يفتقر للأهلية. وقال ابن حزم: يقيمه السيد إلا إن كان كافرا، واحتج بأنهم لا يقرون إلا بالصغار وفي تسليطه على إقامة الحد منافاة لذلك. وقال ابن العربي: في قول مالك إن كانت الأمة ذات زوج لم يحدها الإمام من أجل أن للزوج تعلقا بالفرج في حفظه عن النسب الباطل والماء الفاسد، لكن حديث النبي صلى الله عليه وسلم أولى أن يتبع، يعني حديث على المذكور الدال على التعميم في ذات الزوج وغيرها. وقد وقع في بعض طرقه " من أحصن منهم ومن لم يحصن". قوله (ثم بيعوها ولو بضفير) بفتح الضاد المعجمة غير المشالة ثم فاء أي المضفور فعيل بمعنى مفعول، زاد يونس وابن أخي الزهري والزبيدي ويحيى بن سعيد كلهم عن ابن شهاب عند النسائي " والضفير الحبل " وهكذا أخرجه عن قتيبة عن مالك وزادها عمار بن أبي فروة عن محمد بن مسلم وهو ابن شهاب الزهري عند النسائي وابن ماجة، لكن خالف في الإسناد فقال: " إن محمد بن مسلم حدثه أن عروة وعمرة حدثاه أن عائشة حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا زنت الأمة فاجلدوها " وقال في آخره " ولو بضفير والضفير الحبل " وقوله والضفير الحبل مدرج في هذا الحديث من قوله الزهري على ما بين في رواية القعنبي عن مالك عند مسلم وأبي داود فقال في آخره " قال ابن شهاب والضفير الحبل " وكذلك ذكره الدار قطني في الموطآت منسوبا لجميع من روى الموطأ إلا ابن مهدي فإن ظاهر سياقه أنه أدرجه أيضا، ومنهم من لم يذكر قوله والضفير الحبل كما في رواية الباب. قوله (قال ابن شهاب) هو موصول بالسند المذكور. قوله (لا أدري بعد الثالثة أو الرابعة) لم يختلف في رواية مالك في هذا، وكذا في رواية صالح بن كيسان وابن عيينة، وكذا في رواية يونس والزبيدي عن الزهري عند النسائي، وكذا في رواية معمر عند مسلم وأدرجه في رواية يحيى بن سعيد عند النسائي ولفظه " ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير بعد الثالثة أو الرابعة " ولم يقل قال ابن شهاب وعن قتيبة عن مالك كذلك، وأدرج أيضا في رواية محمد بن أبي فروة عن الزهري في حدث عائشة عند النسائي، والصواب التفصيل، وأما الشك في الثالثة أو في الرابعة فوقع في حديث أبي صالح عن أبي هريرة عند الترمذي " فليجلدها ثلاثا فإن عادت فليبعها " ونحوه في مرسل عكرمة عند أبي قرة بلفظ " وإذا زنت الرابعة فبيعوها " ووقع في رواية سعيد المقبري المذكورة في الباب الذي يليه " ثم إن زنت الثالثة فليبعها " ومحصل الاختلاف هل يجلدها في الرابعة قبل البيع أو يبيعها بلا جلد؟ والراجح الأول ويكون سكوت من سكت عنه للعلم بأن الجلد لا يترك ولا يقوم البيع مقامه، ويمكن الجمع بأن البيع يقع بعد المرة الثالثة في الجلد لأنه المحقق فيلغي الشك، والاعتماد على الثلاث في كثر من الأمور المشروعة. وقوله "ولو بضفير " أي حبل مضفور، ووقع في رواية المقبري " ولو بحبل من شعر " وأصل الضفر نسج الشعر وإدخال بعضه في بعض ومنه ضفائر شعر الرأس للمرأة وللرجل، قيل لا يكون مضفورا إلا إن كان من ثلاث، وقيل شرطه أن يكون عريضا وفيه نظر. وفي الحديث أن الزنا عيب يرد به الرقيق للأمر بالحط من قيمة المرقوق إذا وجد منه الزنا، كذا جزم به النووي تبعا لغيره، وتوقف فيه ابن دقيق العيد لجواز أن يكون المقصود الأمر بالبيع ولو انحطت القيمة فيكون ذلك متعلقا بأمر وجودي لا إخبارا عن حكم شرعي إذ ليس في الخبر تصريح بالأمر من حط القيمة. وفيه أن من زنى فأقيم عليه الحد ثم عاد أعيد عليه، بخلاف من زنى مرارا فإنه يكتفي فيه بإقامة الحد عليه مرة واحدة على الراجح. وفيه الزجر عن مخالطة الفساق ومعاشرتهم ولو كانوا من الإلزام إذا تكرر زجرهم ولم يرتدعوا ويقع الزجر بإقامة الحد فيما شرع فيه الحد وبالتعزير فيما لا حد فيه. وفيه جواز عطف الأمر المقتضى للندب على الأمر المقتضى للوجوب لأن الأمر بالجلد واجب والأمر بالبيع مندوب عند الجمهور خلافا لأبي ثور وأهل الظاهر، وادعى بعض الشافعية أن سبب صرف الأمر عن الوجوب أنه منسوخ، وممن حكاه ابن الرفعة في المطلب ويحتاج إلى ثبوت. وقال ابن بطال: حمل الفقهاء الأمر بالبيع على الحض على مساعدة من تكرر منه الزنا لئلا ظن بالسيد الرضا بذلك ولما في ذلك من الوسيلة إلى تكثير أولاد الزنا، قال: وحمله بعضهم على الوجوب ولا سلف لي من الأمة فلا يستقل به، وقد ثبت النهي عن إضاعة المال فكيف يجب بيع الأمة ذات القيمة بحبل من شعر لا قيمة له: فدل على أن المراد الزجر عن معاشرة من تكرر منه ذلك، وتعقب بأنه لا دلالة فيه عل بيع الثمين بالحقير وإن كان بعضهم قد استدل به على جواز بيع المطلق التصرف ماله بدون قيمته ولو كان بما يتغابن بمثله إلا أن قوله " ولو بحبل من شعر " لا يراد به ظاهره وإنما ذكر للمبالغة كما وقع في حديث " من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة " على أحد الأجوبة، لأن قدر المفحص لا يسع أن يكون مسجدا حقيقة، فلو وقع ذلك في عين مملوكة لمحجور فلا يبيعها وليه إلا بالقيمة، ويحتمل أن يطرد لأن عيب الزنا تنقص به القيمة عند كل أحد فيكون بيعها بالنقصان بيعا بثمن المثل نبه عليه القاضي عياض ومن تبعه. وقال ابن العربي: المراد من الحديث الإسراع بالبيع وإمضاؤه ولا يتربص به طلب الراغب في الزيادة، وليس المراد بيعه بقيمة الحبل حقيقة، وفيه أنه يجب عل البائع أن يعلم المشتري بعيب السلعة لأن قيمتها إنما تنقص مع العلم بالعيب حكاه ابن دقيق العيد، وتعقبه بأن العيب لو لم يعلم له تنقص القيمة فلا يتوقف على الإعلام، واستشكل الأمر ببيع الرقيق إذا زنى مع أن كل مؤمن مأمور أن يرى لأخيه ما يرى لنفسه، ومن لزم البيع أن يوافق أخاه المؤمن على أن يقتني ما لا يرضي اقتناءه لنفسه، وأجيب بأن السبب الذي باعه لأجله ليس محقق الوقوع عند المشتري لجواز أن يرتدع الرقيق إذا علم أنه متى عاد أخرج فإن الإخراج من الوطن المألوف شاق، ولجواز أن قع الإعفاف عند المشتري بنفسه أو بغيره، قال ابن العربي: يرجى عند تبديل المحل تبديل الحال، ومن المعلوم أن للمجاورة تأثيرا في الطاعة وفي المعصية، قال النووي: وفيه أن الزاني إذا حد ثم زنى لزمه حد آخر ثم كذلك أبدا، فإذا زنى مرات ولم يدل فلا يلزمه إلا حد واحد. قلت: من قوله فإذا زنى ابتداء كلام قاله لتكميل الفائدة وإلا فليس في الحديث ما يدل عليه إثباتا ولا نفيا بخلاف الشق الأول فإنه ظاهر، وفيه إشارة إلى أن العقوبة في التعزيرات إذا لم يفد مقصودها من الزجر لا يفعل لأن إقامة الحد واجبة، فلما تكرر ذلك ولم يفد عدل إلى ترك شرط إقامته على السيد وهو الملك، ولذلك قال " بيعوها " ولم يقل اجلدوها كلما زنت، ذكره ابن دقيق العيد وقال قد تعرض إمام الحرمين لشيء من ذلك فقال: إذا علم المعزر في أن التأديب لا يحصل إلا بالضرب المبرح فليتركه لأن المبرح يهلك وليس له الإهلاك، وغير المبرح لا يفيد، قال الرافعي: وهو مبني على أن الإمام لا يجب عليه تعزير من يستحق التعزير، فإن قلنا يجب التحق بالحد فليعزره بغير المبرح وإن لم ينزجر. وفيه أن السيد يقيم الحد على عبده وإن لم يستأذن السلطان، وسيأتي البحث فيه بعد ثلاثة أبواب. *3* الشرح: قوله (باب لا يثرب على الأمة إذا زنت ولا تنفى) أما التثريب بمثناة ثم مثلثة ثم موحدة فهو التعنيف وزنه ومعناه. وقد جاء بلفظ " ولا يعنفها " في رواية عبيد الله العمري عن سعيد المقبري عند النسائي، وأما النفي فاستنبطوه من قوله " فليبعها " لأن المقصود من النفي الإبعاد عن الوطن الذي وقعت فيه المعصية وهو حاصل بالبيع. وقال ابن بطال: وجه الدلالة أنه قال " فليجلدها " وقال " فليبعها " فدل على سقوط النفي لأن الذي ينفي لا يقدر على تسليمه إلا بعد مدة فأشبه الآبق. قلت: وفيه نظر لجواز أن يتسلمه المشتري مسلوب المنفعة مدة النفي، أو يتفق بيعه لمن يتوجه إلى المكان الذي يصدق عليه وجود النفي. وقال ابن العربي: تستثنى الأمة لثبوت حق السيد فيقدم على حق الله، وإنما لم يسقط الحد لأنه الأصل والنفي فرع. قلت: وتمامه أن يقال: روعي حق السيد فيه أيضا بترك الرجم لأنه فوت المنفعة من أصلها بخلاف الجلد، واستمر نفي العبد إذ لا حق للسيد في الاستمتاع به، واستدل من استثنى نفي الرقيق بأنه لا وطن له وفي نفيه قطع حق السيد لأن عموم الأمر بنفي الزاني عارضه عموم نهى المرأة عن السفر بغير المحرم، وهذا خاص بالإماء من الرقيق دون الذكور وبه احتج من قال: لا يشرع نفي النساء مطلقا كما تقدم في " باب البكران يجلدان وينفيان " واختلف من قال بنفي الرقيق، فالصحيح نصف سنة، وفي وجه ضعيف عند الشافعية سنة كاملة، وفي ثالث لا نفي على رقيق وهو قول الأئمة الثلاثة والأكثر. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا زَنَتْ الْأَمَةُ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا وَلَا يُثَرِّبْ ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا وَلَا يُثَرِّبْ ثُمَّ إِنْ زَنَتْ الثَّالِثَةَ فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ تَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله (إذا زنت الأمة فتبين زناها) أي ظهر، وشرط بعضهم أن يظهر بالبينة مراعاة للفظ تبين، وقيل يكتفي في ذلك بعلم السيد. قوله (فليجلدها) أي الحد الواجب عليها المعروف من صريح الآية قوله (ولا يثرب) أي لا يجمع عليها العقوبة بالجلد وبالتعيير، وقيل المراد لا يقتنع بالتوبيخ دون الجلد. وفي رواية سعيد عن أبي هريرة عند عبد الرزاق " ولا يعيرها ولا يفندها " قال ابن بطال: يؤخذ منه أن كل من أقيم عليه الحد لا يعزر بالتعنيف واللوم وإنما يليق ذلك بمن صدر منه قبل أن يرفع إلى الإمام للتحذير والتخويف، فإذا رفع وأقيم عليه الحد كفاه. قلت: وقد تقدم قريبا نهيه صلى الله عليه وسلم عن سب الذي أقيم عليه حد الخمر وقال " لا تكونوا أعوانا للشيطان على أخيكم". قوله (تابعه إسماعيل بن أمية عن سعيد عن أبي هريرة) يريد في المتن لا في السند، لأنه نقص منه قوله " عن أبيه " ورواية إسماعيل وصلها النسائي من طريق بشر بن المفضل عن إسماعيل بن أمية ولفظه مثل الليث، إلا أنه قال " فإن عادت فزنت فليبعها " والباقي سواء، ووافق الليث على زيادة قوله " عن أبيه " محمد بن إسحاق أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي، ووافق إسماعيل على حذفه عبيد الله بن عمر العمري عندهم وأيوب بن موسى عند مسلم والنسائي ومحمد بن عجلان وعبد الرحمن بن إسحاق عند النسائي، ووقع في رواية عبد الرحمن المذكور عن سعيد سمعت أبا هريرة ولإسماعيل فيه شيخ آخر رواه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة أخرجه النسائي وقال إنه خطأ والصواب الأول، ووقع في رواية حميد هذه بلفظ آخر قال " أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: جاريتي زنت فتبين زناها، قال: اجلدها خمسين " الحديث. *3* الشرح: قوله (باب أحكام أهل الذمة) أي اليهود والنصارى وسائر من تؤخذ منه الجزية. قوله (وإحصانهم إذا زنوا) يعني خلافا لمن قال إن من شروط الإحصان الإسلام. قوله (ورفعوا إلى الإمام) أي سواء جاءوا إلى حاكم المسلمين ليحكموه أو رفعهم إليه غيرهم متعديا عليهم خلافا لمن قيد ذلك بالشق الأول كالحنفية وسأذكر ذلك مبسوطا، وذكر فيه حديثين. الحديث: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى عَنْ الرَّجْمِ فَقَالَ رَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ أَقَبْلَ النُّورِ أَمْ بَعْدَهُ قَالَ لَا أَدْرِي تَابَعَهُ عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ وَخَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالْمُحَارِبِيُّ وَعَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْمَائِدَةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ الشرح: قوله (عبد الواحد) هو ابن زياد، والشيباني هو أبو إسحاق سليمان. قوله (عن الرجم) أي رجم من ثبت أنه زنى وهو محصن. قوله (فقال رجم النبي صلى الله عليه وسلم) كذا أطلق، فقال الكرماني: مطابقته للترجمة من حيث الإطلاق قلت: والذي ظهر لي أنه جرى على عادته في الإشارة إلى ما ورد في بعض طرق الحديث، وهو ما أخرجه أحمد والإسماعيلي والطبراني من طريق هشيم عن الشيباني قال " قلت هل رجم النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم رجم يهوديا ويهودية " وسياق أحمد مختصر. قوله (أقبل النور؟) أي سورة النور، والمراد بالقبلية النزول (قوله أم بعد) ؟ في رواية الكشميهني " أم بعده". قوله (لا أدري) فيه أن الصحابي الجليل قد تخفى عليه بعض الأمور الواضحة، وأن الجواب من الفاضل بلا أدري لا عيب عليه فيه بل يدل على تحريه وتثبته فيمدح به. قوله (تابعه علي بن مسهر) قلت وصلها ابن أبي شيبة عنه عن الشيباني قال " قلت لعبد الله بن أبي أوفي " فذكر مثله بلفظ " قلت بعد سورة النور". قوله (وخالد بن عبد الله) أي الطحان وهي عند المؤلف في " باب رجم المحصن " وقد تقدم لفظه. قوله (والمحاربي) يعني عبد الرحمن بن محمد الكوفي. قوله (وعبيدة) بفتح أوله، وأبوه حميد بالتصغير، ومتابعته وصلها الإسماعيلي من رواية أبي ثور وأحمد ابن منيع قالا حدثنا عبيدة بن حميد وجرير هو ابن عبد الله عن الشيباني ولفظه " قلت قبل النور أو بعدها". قوله (وقال بعضهم) أي بعض المسلمين وهو عبيدة فإن لفظه في مستند أحمد بن منيع ومن طريقه الإسماعيلي " فقلت بعد سورة المائدة أو قبلها "؟ كذا وقع في رواية هشيم التي أشرت إليها قبل. قوله (والأول أصح) أي في ذكر النور. قلت: ولعل من ذكره توهم من ذكر اليهودي واليهودية أن المراد سورة المائدة لأن فيها الآية التي نزلت بسبب سؤال اليهود عن حكم اللذين زنيا منهم. الحديث: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ إِنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ فَقَالُوا نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ارْفَعْ يَدَكَ فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ قَالُوا صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَا فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَحْنِي عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ الشرح: قوله (عن نافع) في موطأ محمد بن الحسن وحده " حدثنا نافع " قاله الدار قطني في الموطآت. قوله (إن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا) ذكر السهيلي عن ابن العربي أن اسم المرأة بسرة بضم الموحدة وسكون المهملة ولم يسم الرجل، وذكر أبو داود السبب في ذلك من طريق الزهري " سمعت رجلا من مزينة ممن تبع العلم وكان عند سعيد بن المسيب يحدث عن أبي هريرة قال: زنى رجل من اليهود بامرأة، فقال بعضهم لبعض اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه بعث بالتخفيف فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله وقلنا فتيا نبي من أنبيائك. قال فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد في أصحابه فقالوا: يا أبا القاسم ما ترى في رجل وامرأة زنيا منهم " ونقل ابن العربي عن الطبري والثعلبي عن المفسرين قالوا " انطلق قوم من قريظة والنضير منهم كعب بن الأشرف وكعب بن أسد وسعيد في عمرو ومالك بن الصيف وكنانة بن أبي الحقيق وشاس بن قيس ويوسف ابن عازوراء فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم وكان رجل وامرأة من أشراف أهل خيبر زنيا واسم المرأة بسرة، وكانت خيبر حينئذ حربا فقال لهم اسألوه، فنزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اجعل بينك وبينهم ابن صوريا " فذكر القصة مطولة، ولفظ الطبري من طريق الزهري المذكورة " إن أحبار اليهود اجتمعوا في بيت المدراس، وقد زنى رجل منهم بعد إحصانه بامرأة منهم قد أحصنت " فذكر القصة وفيها " فقال اخرجوا إلى عبد الله بن صوريا الأعور " قال أبي إسحاق " ويقال إنهم أخرجوا معه أبا ياسر بن أحطب ووهب بن يهودا، فخلا النبي صلى الله عليه وسلم، بابن صوريا " فذكر الحديث. ووقع عند مسلم من حديث البراء " مر على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محمما مجلودا. فدعاهم فقال: هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قالوا: نعم " وهذا يخالف الأول من حيث إن فيه أنهم ابتدءوا السؤال قبل إقامة الحد، وفي هذا أنهم أقاموا الحد قبل السؤال، ويمكن الجمع بالتعدد بأن يكون الذين سألوا عنهما غير الذي جلدوه، ويحتمل أن يكون: بادروا فجلدوه ثم بدا لهم فسألوا فاتفق المرور بالمجلود في حال سؤالهم عن ذلك فأمرهم بإحضارهما فوقع ما وقع والعلم عند الله، ويؤيد الجمع ما وقع عند الطبراني من حديث ابن عباس " أن رهطا من اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم ومعهم امرأة فقالوا: يا محمد ما أنزل عليك في الزنا " فيتجه أنهم جلدوا الرجل ثم بدا لهم أن يسألوا عن الحكم فأحضروا المرأة وذكروا القصة والسؤال، ووقع في رواية عبيد الله العمري عن نافع عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بيهودي ويهودية زنيا " ونحوه في رواية عبد الله بن دينار عن ابن عمر الماضية قريبا ولفظه " أحدثا " وفي حديث عبد الله بن الحارث عند البزار " أن اليهود أتوا بيهوديين زنيا وقد أحصنا". قوله (ما تجدون في التوراة في شأن الرجم) قال الباجي: يحتمل أن يكون علم بالوحي أن حكم الرجم فيها ثابت على ما شرع لم يلحقه تبدل، ويحتمل أن يكون علم ذلك بإخبار عبد الله بن سلام وغيره ممن أسلم منهم على وجه حصل له به العلم بصحة نقلهم، ويحتمل أن يكورن إنما سألهم عن ذلك ليعلم ما عندهم فيه ثم يتعلم صحة ذلك من قبل الله تعالى. قوله (فقالوا نفضحهم) بفتح أوله وثالثه من الفضيحة. قوله (ويجلدون) وقع بيان الفضيحة في رواية أيوب عن نافع الآتية في التوحيد بلفظ " قالوا نسخم وجوههما، ونخزيهما " وفي رواية عبد الله بن عمر " قالوا نسود وجوههما ونحممهما ونخالف بين وجوههما. ويطاف بهما " وفي رواية عبد الله بن دينار " أن أحبارنا أحدثوا تحميم الوجه والتجبيه " وفي حديث أبي هريرة " يحمم ويجبه ويجلد " والتجبيه أن يحمل الزانيان على حمار وتقابل أقفيتهما وطاف بهما، وقد تقدم في " باب الرجم بالبلاط " النقل عن إبراهيم الحربي أنه جزم بأن تفسير التجبيه من قول الزهري فكأنه أدرج في الخبر لأن أصل الحديث من روايته. وقال المنذري: يشبه أن يكون أصله الهمزة وأنه التجبئة وهي الردع والزجر يقال جبأته تجبيئا أي ردعته، والتجبيه أن ينكس رأسه فيحتمل أن يكون من فعل به ذلك ينكس رأسه استحياء فسمى ذلك الفعل تجبيه. ويحتمل أن يكون من الجبه وهو الاستقبال بالمكروه وأصله من إصابة الجبهة تقول جبهته إذا أصبت جبهته كرأسه إذا أصبت رأسه. وقال الباجي: ظاهر الأمر أنهم قصدوا في جوابهم تحريف حكم التوراة والكذب على النبي إما رجاء أن يحكم بينهم بغير ما أنزل الله وإما لأنهم قصدوا بتحكيمه التخفيف عن الزانيين واعتقدوا أن ذلك يخرجهم عما وجب عليهم، أو قصدوا اختبار أمره، لأنه من المقرر أن من كان نبيا لا يقر على باطل، فظهر بتوفيق الله نبيه كذبهم وصدقه ولله الحمد. قوله (قال عبد الله بن سلام: كذبتم، أن فيها الرجم) رواية أيوب وعبيد الله بن عمر " قال فأتوا بالتوراة قال فاتلوها إن كنتم صادقين". قوله (فأتوا) بصيغة الفعل الماضي. وفي رواية أيوب فجاءوا وزاد عبيد الله بن عمر " بها فقرؤها " وفي رواية زيد بن أسلم (فأتى بها فنزع الوسادة من تحته فوضع التوراة عليها ثم قال آمنت بك وبمن أنزلك " وفي حديث البراء عند مسلم " فدعا رجلا من علمائهم فقال أنشدك بالله وبمن أنزله " وفي حديث جابر عند أبي دواد " فقال ائتوني بأعلم رجلين منكم، فأتى بابن صوريا " زاد الطبري في حديث ابن عباس " ائتوني برجلين من علماء بني إسرائيل، فأتوه برجلين أحدهما شاب والآخر شيخ قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر " ولابن أبي حاتم من طريق مجاهد " أن اليهود استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزانيين فأفتاهم بالرجم، فأنكروه، فأمرهم أن يأتوا بأحبارهم فناشدهم فكتموه إلا رجلا من أصاغرهم أعور فقال: كذبوك يا رسول الله في التوراة". قوله (فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها) ونحوه في رواية عبد الله بن دينار وفي رواية عبيد الله بن عمر " فوضع الفتى الذي يقرأ يده على آية الرجم فقرأ ما بين يديها وما وراءها " وفي رواية أيوب " فقالوا لرجل ممن يرضون: يا أعور اقرأ. فقرأ، حتى انتهى إلى موضع منها فوضع يده عليه " واسم هذا الرجل عبد الله بن صوريا كما تقدم، وقد وقع عند النقاش في تفسيره أنه أسلم، لكن ذكر مكي في تفسيره أنه ارتد بعد أن أسلم، كذا ذكر القرطبي، ثم وجدته عند الطبري بالسند المتقدم في الحديث الماضي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ناشده قال " يا رسول الله إنهم ليعلمون أنك نبي مرسل ولكنهم يحسدونك " وقال في آخر الحديث " ثم كفر بعد ذلك ابن صوريا ونزلت فيه (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر " الآية. قوله (فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك لم فرفع يده، فإذا فيها آية الرجم) في رواية عبد الله بن دينار " فإذا آية الرجم تحت يده " ووقع في حديث البراء " فحده الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الوضيع أقمنا عليه الحد، فقلنا تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم " ووقع بيان ما في التوراة من آية الرجم في رواية أبي هريرة " المحصن والمحصنة إذا زنيا فقامت عليهما البينة رجما، وإن كانت المرأة حبلى تربص بها حتى تضع ما في بطنها " وفي حديث جابر عند أبي داود " قالا نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما " زاد البزار من هذا الوجه " فإن وجدوا الرجل مع المرأة في بيت أو في ثوبها أو على بطنها فهي ريبة وفيها عقوبة، قال فما منعكما أن ترجموهما قالا: ذهب سلطاننا فكرهنا القتل " وفي حديث أبي هريرة " فما أول ما ارتخصتم أمر الله؟ قال: زنى ذوا قرابة من الملك فأخر عنه الرجم، ثم زنى رجل شريف فأرادوا رجمه فحال قومه دونه وقالوا ابدأ بصاحبك، فاصطلحوا على هذه العقوبة، وفي حديث ابن عباس عند الطبراني " إنا كنا شببة وكان في نسائنا حسن وجه فكثر فينا فلم يقم له فصرنا نجلد " والله أعلم. قوله (فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما) زاد في حديث أبي هريرة " فقال النبي صلى الله عليه وسلم فإني أحكم بما في التوراة " وفي حديث البراء " اللهم إني أول من أحي أمرك إذ أماتوه " ووقع في حديث جابر من الزيادة أيضا " فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهود، فجاء أربعة فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة، فأمر بهما فرجما". قوله (فرأيت الرجل يحني) كذا في رواية أبي ذر عن السرخسي بالحاء المهملة بعدها نون مكسورة ثم تحتانية ساكنة، وعن المستملي والكشميهني بجيم ونون مفتوحة ثم همزة، وهو الذي قال ابن دقيق العيد إنه الراجح في الرواية. وفي رواية أيوب " يجانئ " بضم أوله وجيم مهموز. وقال ابن عبد البر: وقع في رواية يحيى بن يحيى كالسرخسي والصواب " يحني " أي يميل. وجملة ما حصل لنا من الاختلاف في ضبط هذه اللفظة عشرة أوجه: الأولان والثالث بضم أوله والجيم وكسر النون وبالهمزة، الرابع كالأول إلا أنه بالموحدة بدل النون، الخامس كالثاني إلا أنه بواو بدل التحتانية، السادس كالأول إلا أنه بالجيم، السابع بضم أوله وفتح المهملة وتشديد النون، الثامن " يجاني " بالنون التاسع مثله لكن بالحاء، العاشر مثله لكنه بالفاء بدل النون وبالجيم أيضا. ورأيت في " الزهريات الذهلي " بخط الضياء في هذا الحديث من طريق معمر عن الزهري " يجافي " بجيم وفاء بغير همز وعلى الفاء صح صح. قوله (يقيها) بفتح أوله ثم قاف تفسير لقوله " يحني " وفي رواية عبيد الله بن عمر " فلقد رأيته يقيها من الحجارة بنفسه " ولابن ماجة من هذا الوجه " يسترها " وفي حديث ابن عباس عند الطبراني " فلما وجد مس الحجارة قام على صاحبته يحني عليها يقيها الحجارة حتى قتلا جميعا فكان ذلك مما صنع الله لرسوله في تحقيق الزنا منهما " وفي هذا الحدث من الفوائد وجوب الحد على الكافر الذمي إذا زنى وهو قول الجمهور، وفيه خلاف عند الشافعية، وقد ذهل ابن عبد البر فنقل الاتفاق على أن شرط الإحصان الموجب للرجم الإسلام، ورد عليه بأن الشافعية وأحمد لا يشترطان ذلك، ويؤيد مذهبهما وقوع التصريح بأن اليهوديين اللذين رجما كانا قد أحصنا كما تقدم نقله. وقال المالكية ومعظم الحنفية وربيعة شيخ مالك شرط الإحصان الإسلام، وأجابوا عن حديث الباب بأنه صلى الله عليه وسلم إنما رجمهما بحكم التوراة وليس هو من حكم الإسلام في شيء، وإنما هو من باب تنفيذ الحكم عليهم بما في كتابهم، فإن في التوراة الرجم على المحصن وغير المحصن قالوا وكان ذلك أول دخول النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وكان مأمورا باتباع حكم التوراة والعمل بها حتى ينسخ ذلك في شرعه، فرجم اليهوديين على ذلك الحكم، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى وفي دعوى الرجم على من لم يحصن نظر، لما تقدم من رواية الطبري وغيره. وقال مالك: إنما رجم اليهوديين لأن اليهود يومئذ لم يكن لهم ذمة فتحاكموا إليه، وتعقبه الطحاوي بأنه لو لم يكن واجبا ما فعله، قال: وإذا أقام الحد على من لا ذمة له فلأن يقيمه على من له ذمة أولى. وقال المازري، يعترض على جواب مالك بكونه رجم المرأة وهو يقول لا تقتل المرأة إلا إن أجاب ذلك كان قبل النهي عن قتل النساء، وأيد القرطبي أنهما كانا حربيين بما أخرجه الطبري كما تقدم، ولا حجة فيه لأنه منقطع، قال القرطبي: ويعكر عليه أن مجيئهم سائلين يوجب لهم عهدا كما لو دخلوا لغرض كتجارة أو رسالة أو نحو ذلك فإنهم في أمان إلى أن يردوا إلى مأمنهم. قلت: ولم ينفصل عن هذا إلا أن يقول إن السائل عن ذلك ليس هو صاحب الواقعة. وقال النووي: دعوى أنهما كان حربيين باطلة بل كانا من أهل العهد، كذا قال: وسلم بعض المالكية أنهما كانا من أهل العهد واحتج بأن الحاكم مخير إذا تحاكم إليه أهل الذمة بين أن يحكم فيهم بحكم الله وبين أن يعرض عنهم على ظاهر الآية، فاختار صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة أن يحكم بينهم، وتعقب بأن ذلك لا يستقيم على مذهب مالك لأن شرط الإحصان عنده الإسلام وهما كانا كافرين، وانفصل ابن العربي عن ذلك بأنهما كانا محكمين له في الظاهر ومختبرين ما عنده في الباطن هل هو نبي حق أو مسامح في الحق، وهذا لا يرفع الإشكال ولا يخلص عن الإيراد. ثم قال ابن العربي: في الحديث أن الإسلام ليس شرطا في الإحصان، والجواب بأنه إنما رجمهما لإقامة الحجة على اليهود فيما حكموه فيه من حكم التوراة فيه نظر، لأنه كيف يقيم الحجة عليهم بما لا يراه في شرعه مع قوله وقال ابن عبد البر: حد الزاني حق من حقوق الله. وعلى الحاكم إقامته، وقد كان لليهود حاكم وهو الذي حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما. وقول بعضهم إن الزانيين حكماه دعوى مردودة، واعترض بأن التحكيم لا يكون إلا لغير الحاكم، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فحكمه بطريق الولاية لا بطريق التحكيم: وأجاب الحنفية عن رجم اليهوديين بأنه وقع بحكم التوراة، ورده الخطابي لأن الله قال وأما قوله في حديث أبي هريرة " فإني أحكم بما في التوراة " ففي سنده رجل مبهم، ومع ذلك فلو ثبت لكان معناه لإقامة الحجة عليهم، وهو موافق لشريعته، قلت: ويؤيده أن الرجم جاء ناسخا للجلد كما تقدم تقريره، ولم يقل أحد إن الرجم شرع ثم نسخ بالجلد ثم نسخ الجلد بالرجم، وإذا كان حكم الرجم باقيا منذ شرع فما حكم عليهما بالرجم بمجرد حكم التوراة بل بشرعه الذي استمر حكم التوراة عليه ولم يقدر أنهم بدلوه فيما بدلوا وأما ما تقدم من أن النبي صلى الله عليه وسلم رجمهما أول ما قدم المدينة لقوله في بعض طرق القصة " لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أتاه اليهود " فالجواب أنه لا يلزم من ذلك الفور، ففي بعض طرقه الصحيحة كما تقدم أنهم تحاكموا إليه وهو في المسجد بين أصحابه، والمسجد لم يكمل بناؤه إلا بعد مدة من دخوله صلى الله عليه وسلم المدينة فبطل الفور، وأيضا ففي حديث عبد الله بن الحارث بن جزء أنه حضر ذلك وعبد الله إنما قدم مع أبيه مسلما بعد فتح مكة، وقد تقدم حدث ابن عباس وفيه ما يشعر بأنه شاهد ذلك. وفيه أن المرأة إذا أقيم عليها الحد تكون قاعدة هكذا استدل به الطحاوي، وقد تقدم أنهم اختلفوا في الحفر للمرجومة، فمن يرى أنه يحفر لها تكون في الغالب قاعدة في الحفرة واختلافهم في إقامة الحد عليها قاعدة أو قائمة إنما هو في الجلد، ففي الاستدلال بصورة الجهد على صورة الرجم نظر لا يخفى. وفيه قبول شهادة أهل الذمة بعضهم عل بعض، وزعم ابن العربي أن معنى قوله في حديث جابر " فدعا بالشهود " أي شهود الإسلام على اعترافهما، وقوله "فرجمهما بشهادة الشهود " أي البينة على اعترافهما، ورد هذا التأويل بقوله في نفس الحديث " إنهم رأوا ذكره في فرجها كالميل في المكحلة " وهو صريح في أن الشهادة بالمشاهدة لا بالاعتراف. وقال القرطبي: الجمهور على أن الكافر لا تقبل شهادته على مسلم ولا على كافر لا في حد ولا في غيره ولا فرق بين السفر والحضر في ذلك، وقبل شهادتهم جماعة من التابعين وبعض الفقهاء إذا لم يوجد مسلم، واستثنى أحمد حالة السفر إذا لم يوجد مسلم، وأجاب القرطبي عن الجمهور عن واقعة اليهود بأنه صلى الله عليه وسلم نفذ عليهم ما علم أنه حكم التوراة وألزمهم العمل به إظهارا لتحريفهم كتابهم وتغييرهم حكمه، أو كان ذلك خاصا بهذه الواقعة كذا قال، والثاني مردود. وقال النووي: الظاهر أنه رجمهما بالاعتراف، فإن ثبت حدث جابر فلعل الشهود كانوا مسلمين وإلا فلا عبرة بشهادتهم، ويتعين أنهما أقرا بالزنا. قلت: لم يثبت أنهم كانوا مسلمين، ويحتمل أن يكون الشهود أخبروا بذلك لسؤال بقية اليهود لهم فسمع النبي صلى الله عليه وسلم كلامهم ولم يحكم فيهم إلا مستندا لما أطلعه الله تعالى فحكم في ذلك بالوحي وألزمهم الحجة بينهم كما قال تعالى وفيه أن أنكحة الكفار صحيحة لأن ثبوت الإحصان فرع ثبوت صحة النكاح. وفيه أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة وفي أخذه من هذه القصة بعد. وفيه أن اليهود كانوا ينسبون إلى التوراة ما ليس فيها ولو لم يكن مما أقدموا على تبديله وإلا لكان في الجواب حيدة عن السؤال لأنه سأل عما يجدون في التوراة فعدلوا عن ذلك لما يفعلونه وأوهموا أن فعلهم مرافق لما في التوراة فأكذبهم عبد الله بن سلام. وقد استدل به بعضهم على أنهم لم يسقطوا شيئا من ألفاظها كما يأتي تقريره في كتاب التوحيد، والاستدلال به لذلك غير واضح لاحتمال خصوص ذلك بهذه الواقعة فلا يدل على التعميم، وكذا من استدل به على أن التوراة التي أحضرت حينئذ كانت كلها صحيحة سالمة من التبديل لأنه يطرقه هذا الاحتمال بعينه ولا يرده قوله " آمنت بك وبمن أنزلك " لأن المراد أصل التوراة. وفيه اكتفاء الحاكم بترجمان واحد موثوق به وسيأتي بسطه في كتاب الأحكام. واستدل به على أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا ثبت ذلك لنا بدليل قرآن أو حديث صحيح ما لم يثبت نسخه بشريعة نبينا أو نبيهم أو شريعتهم، وعلى هذا فيحمل ما وقع في هذه القصة على أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أن هذا الحكم لم ينسخ من التوراة أصلا.
|